رغم التحولات الكبيرة التي شهدها المجتمع المغربي، خلال السنوات الأخيرة، إلّا أنّه ما تزال هناك عوائقُ تحول دون بلوغ المواطنة، بمفهومها الشامل. كمال عبد اللطيف، أستاذ الفلسفة، قال في المداخلة التي ألقاها خلال الندوة التي نظمها حزب الاتحاد الاشتراكي، واتحاد كتاب المغرب، يوم السبت، تحت عنوان "مجتمع المواطنة وترسيخ قيَم الحداثة، إنّ من المعيقات التي تحُول دون تحقيق المفهوم الشامل للمواطنة، تكمن في كون العقلية التقليدية ما تزال راسخة في المجتمع المغربي.
وحمّل كمال عبد اللطيف، جُزءً من مسؤولية عدم تحقّق هذا المبتغى، إلى القوى الحيّة، الفاعلة على الساحة، قائلا إنّ هذه القوى لا تستكمل المعارك المفتوحةَ، إلى غاية تحقيق النتائج المتوخّاة منها، وهو ما يؤدّي إلى انتكاساتٍ في المكتسبات؛ وأضاف أنّ القضايا الكبرى، على مرّ التاريخ، لم تُحَلّ في معركة واحدة، أو معركتين، "بل إنّ المعارك يجب أن تستمرّ، وتكونَ في مستوى صلابة وسُمك التقاليد المترسّخة، وأن تستمرّ المواجهة دون يأس".
وعدّد كمال عبد اللطيف المعيقات التي ترسّخ التقليد السائد في المجتمع، رغم انفتاحه على وسائل التواصل الحديثة، في أربع معيقات، تنقسم إلى ما هو سياسي وإعلامي وثقافي وتربوي؛ ففيما يتعلق بالعائق السياسي، أوضح المتحدث أنّ من أكبر التحديات، صعود تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم، بعد انتفاضات 2011، التي شهدتها المنطقة، أما في الجانب الإعلامي، فإنّ القنوات التلفزيونية ما زالت تنشر ثقافة تقليدية، وأضاف أنّ معركة الحداثيين تتطلبُ جهودا كبيرة لإعادة بناء خطاب سياسي حداثي"ولم يعد هناك مجال للمهادنة".
محمد بنعبد القادر، عالج موضوع المواطنة في علاقته مع المنظومة التربوية، قائلا إنّ هناك تكدّسا للغايات التربوية، في ظلّ إلقاء المسؤولية كلّها على المدرسة، بسبب عجز مؤسسات أخرى عن القيام بالدور المنوط بها، وعلى رأسها مؤسّسة الأسرة؛ وأضاف أنّ هناك أزمة فيما يتعلق بمكانة الأديان في المقرّرات الدراسية، "وهنا يُطرح سؤال هل يمكن أن يكون المواطن المسلم منفتحا، وأن تكون لديه القدرة على التعايش مع معتنقي الأديان الأخرى، وهو لم يدرس هذه الأديان قَطّ ؟".
وانتقد محمد بنعبد القادر المنظومة التربوية المغربية بقوله إنّها أبعدُ ما تكون عن منظومة تربوية حقيقية، "وإنما نحن أمام نظام تعليمي، والذي ليس سوى جزءٍ من منظومة التربية، ولا نتوفّر على مشروع تربوي متكامل"، وأضاف المتحدّث أنّ النظام التعليمي المغربيّ عاجز عن تخريج جيل قادر على الاستفادة من دروس التربية، في ظلّ الضعف الكبير الذي يعاني منه التلاميذ على المستوى اللغوي، "فبينما استطاع النظام التعليمي في بداية الاستقلال أن يكوّن نخبا مزدوجة اللسان، لم يعد الآن قادرا حتى على تكوين جيل متمكّن من اللغة العربية".
وأوضح بنعبد القادر أنّ التلاميذ الذين يعانون من ضعف على المستوى اللغوي، يصبحون عُرضة للفشل الدراسي والمهني والحياتي، كما أنّ التلاميذ المتحكّمين في اللغة يكونون أكثر دراية بحقوقهم وواجباتهم، وأقلّ استسلاما لغموض النصوص والتضليل الإيديولوجي؛ ليخلص إلى أنّ هناك غيابا لـ"الأمن اللغوي في المغرب"، داعيا الدولة إلى أن تلتزم بالتوزيع العادل لما أسماه "السلطة اللغوية"، في ظل التفاوت الحاصل بين الحواضر والبوادي، وبين تلاميذ مؤسسات التعليم العمومي ومؤسسات التعليم الخصوصي.
وتطرّقت أسماء بنعدادة في مداخلتها إلى علاقة المواطنة والمساواة بين المرأة والرجل، قائلة إنه لا يمكن للمواطنة الحقّة أن تتحقق، كما لا يمكن إرساء أسس نظام ديمقراطي حقيقيّ بدون إشراك النساء، اللواتي يمثّلن نصف البشرية؛ وأضافت أنّ المواطنة ليست غاية في حدّ ذاتها، بل وسيلة لفتح المجال أمام المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تتحقق من خلال تفعيل دور الأفراد في المطالبة بحقوقهم الأساسية، وإشراكهم في صنع القرار
إرسال تعليق